يَحكون أن فقيهًا كان يمشي في إحدى الطرق ، و إذا بلصّ يمدٌ يده ، و يخطف عمامته التي كانت على رأسه ، ثم يُطلق ساقيه للريح ، فما كان من الفقيه إلا أ، أخذ يجري خلف اللص ، و هو يقول : وَهَبتُك إياها ، قل : قَبِلت ، وهبتُك ، قل : قبلتُ .
لقد شعر الفقيه بأنه من المؤكد أن الحاجة المُلحة هي التي دفعت ذلك الرجل إلى أن يرتكب جناية من أجل الحصول على شيء ، لا يكاد يساوي خمسة دراهم ، فَرقّ قلبه له ، و أحب أن يُعلمه أن له أن يمضي بالعمامة على أنها هدية أوهبه ؛ حتى يشعر براحة الضمير و هدوء الخاطر .
عبرة :
نحن اليوم في حاجة ماسّة إلى طريقة تفكير ذلك الفقيه و إلى رِقّة قلبه و نبل عواطفه ، حيث إن كثيراً من الأخطاء و التجاوزات التي تقع هنا و هناك لا تصدر في الغالب من أشخاص شرّرين أو عدوانيين ، إنها تصدر من أشخاص يمرون بظروف حرجة ، و قاهرة تجعلهم يخضعون لضغوطها ، فيفقدون رشدهم و صوابهم ، و تصدر من أشخاص يمرون بلحظات ضعف أمام مغريات قوية ، و أشخاص أساؤوا الفهم ، فساء سلوكهم ، و ساءت مواقفهم ، و هكذا فإن المعرفة الكاملة صفح كامل ، من السهل أن نتهم ، و أن نسيء الظن ، و أن نعاتب ، و نعاقب ، لكن من الصعب أن نتفهم دوافع السلوك السيِّئ و الموقف الرديء ، و من الصعب أن نعذر ، و أن نصفح ، و نواسي ، إن هذه الأمور تحتاج إلى شفافية ورقّة و إبداع .
ما أجمل ، أن نعقد العزم على أن نقبس من روح ذلك الفقيه و كرم ذاته ، حتى نرسِّخ في أعماقنا معاني العفو و التسامح و الشفقة ، إننا حين نقع في خطأ كبير نبحث بجدّية و مثابرة عن أولئك الذين يلتمسون لنا الأعذار ، و يتفهمون تداعيات أخطائنا ، ما يوجب علينا أن نفعل ما كنا نرجو من الناس أن يفعلوه ، و ينهضون إليه .